اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
shape
تابع لمعة الاعتقاد
68255 مشاهدة print word pdf
line-top
حديث طلع علينا رجل شديد بياض الثياب

...............................................................................


كل ما في الوجود فإن الله تعالى هو الذي خلقه وقدره تقديرا، وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ يعني: علم الأشياء المستقبلة يسير على الله، فكل مصيبة تحدث فإنها مكتوبة في اللوح المحفوظ، في كتاب مقدر، وقال تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ يعني: إن علم ذلك على الله تعالى يسير.
وقال تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ هذه إرادة كونية فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ويقبل بقلبه إلي الإيمان؛ وذلك فضل منه ورحمة منه. من هداهم الله، وأنعم عليهم، وأقبل بقلوبهم إلى طاعته؛ فإن ذلك فضل منه فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ ويحرمه من الهداية يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ يجعل صدره ضيقا فلا ينشرح للإسلام؛ وهذا فضل منه وعدل، فمن هداه الله تعالى؛ فذلك بفضله، ومن أضله؛ فذلك بعدله.
في حديث جبريل الذي في صحيح مسلم رواه مسلم في أول كتاب الإيمان عن يحيى بن يعمر أحد علماء التابعين قال: كان أول من قال بالقدر عندنا: معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء؟ فوفق لنا عبد الله بن عمر داخلا المسجد الحرام، فاكتنفته أنا وصاحبي، وظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد خرج قبلنا أناس يقرءون القرآن، ويتقفرون العلم وأنهم يزعمون: أن لا قدر، وأن الأمر أنف. يعني: أنهم يزعمون أن الله لا يعلم الأشياء حتى توجد، وأن كل أحد يخلق أفعاله، وأن الله لا يعلم الشقي من السعيد. فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وهم برآء مني. ثم قال: والذي نفسي بيده.. لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا ما قبله الله منه؛ حتى يؤمن بالقدر خيره وشره.
ثم حدثهم عن أبيه حديث جبريل المشهور: أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر يعني جديد الثياب، أسود الشعر، لا يعرفه أحد منا، ولا يرى عليه أثر السفر ليس من أهل البلد فنعرفه، وليس من أهل البلاد البعيدة فنرى عليه أثر السفر. إذن فما هو ليس من أهل البلاد المدينة وليس من أهل البلاد الأخرى، سأل النبي صلى الله عليه وسلم أسئلة، ومنها: قال: أخبرني عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. فقال: صدقت. صدقه جبريل فدل على أن الإيمان بالقدر من جملة أركان الإيمان.
خيره وشره: يعني تؤمن أن الحوادث التي تحدث مقدرة، وأن المصائب مقدرة، وأن الخصب والجدب مقدرة، وأن الأمراض والصحة مقدرة، كل ما يحدث فإنه مكتوب ومقدر من الله تعالى، خيره وشره.
كذلك ورد في الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم قال: آمنت بالقدر، خيره وشره، وحلوه ومره أي ما يناسب وما لا يناسب، آمنت بأن ذلك مقدر ومكتوب قبل أن يوجد الخلق.
ورد في الحديث: أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن كتب الله تعالى في أم الكتاب كل ما هو كائن، قال الله تعالى: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ الذي هو اللوح المحفوظ.
والمحو والإثبات إنما يكون في صحف الملائكة، الملائكة موكلون، يكتبون أعمال بني آدم، فيكتبون كل ما يقوله وكل ما يعمله، ثم بعد ذلك يقول الله تعالى: امحوا هذا، وأثبتوا هذا. فلا يثبت إلا ما فيه ثواب أو ما فيه عقاب، وأما الذي لا ثواب ولا عقاب فإنه يمحى يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ .
في دعاء القنوت الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن قوله: وقني شر ما قضيت فدل على أن جميع الشرور فإنها قضاء من الله تعالى، وأن العبد يدعو الله تعالى، والدعاء لا ينافي القضاء، الدعاء يكون أيضا من القدر ومن القضاء، وكذلك الأفعال كلها من القضاء والقدر.
روي أن رجلا قال: يا رسول الله.. أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: هي من قدر الله يعني: أن الله تعالى قدر أن هذا المرض يستعمل له الدواء الفلاني، فيكون علاجا له يفيد منه، وكذلك قدر أن الإنسان يتكسب في كذا وكذا فيحصل له كسب وربح، وأن هذا يتعاطى كذا وكذا فيحصل عليه خسران مبين، فيكون بذلك معرضا للثواب أو للعقاب.
نقول: إن كل ما يحدث في الكون فإنه بقضاء الله وقدره.

line-bottom